يقول البهائم: "يعني لولا الدين لسرقت وقتلت وإلخ؟؟!!!"

حينما يكون الحوار بين أهل العقل وبين الملاحدة في موضوع الأخلاق، تجد الملحد يحزق مستنكرا: "يعني لولا الدين لسرقت وقتلت؟"

نقول: إن نفس تلك الحزقة والاستنكار تتضمن مصادرة على المطلوب؛ إذ أنك لِمَ تستنكر إلا إذا كنت تفترض سلفا أن تلك الأفعال خاطئة بمعزل عن الدين، وهو عين ما وقع فيه النزاع، بل وخصمك يثبت مقابله؟ فهو يستدل بمحل النزاع دون أن يدري، كمن يتنازعون في أن هل 1 1= 2 أم 3، فيثبت أحدهما أنها 2، ويستنكر الآخر عليه أن هذا لن يجعلها 3، طيب ولم يجب أن تكون 3؟ عليك أن تثبت هذا لا أن تفترضه وتضعه وضعا.

فإن أثبت خصمك أن المصدر هو الدين، فلا يصح أن تحتج عليه مستنكرا بأنه "هذا يعني أنك لولا هذا المصدر لرأيت أن (س) و(ص) صحيحة" فهذا ليس بقدح، فلِمَ عليَّ أن أرى أنها خاطئة في غياب المصدر الذي أثبته أصلا؟

ثانيا: لا يلزم من كون (س) غير محرم في الدين أني سأهب لفعله، ولا يلزم من هذا أن هنالك مصدرا آخر غير الدين، فدخول كلية الطب ليس محرما ولا يلزم من هذا أن أدخل كلية الطب، فلربما لا أريد، أو لا أرى الحاجة في فعل ما هو ليس بمنهي عنه، حتى لو لم أرى أنه ليس خاطئا

أقصى ما في الباب أن يقال أني لن أرى تلك الأفعال خاطئة، إذن يمكنني فعلها إن أردت أو إن دفعتني الحاجة إليها، وهذا صحيح، فبدون دين ما الذي يوجب علي أن أمتنع عن قتل شخص سأجني مصلحة من وراء قتله؟ ما الذي سيجعلني أرى هذا أمرا خاطئا لا يجب فعله؟

ثالثا: هاته الحجة قائمة بعينها في أي مصدر كان، فإن صورة الاعتراض" يعني لو لم يكن س لفعلت وفعلت" فلو استبدلنا (س)، بالدين أو بالتعاطف أو أي مصدر آخر، لظهر هذا "الاعتراض" لا أقتل فلانا بسبب التعاطف/حقوق الانسان. لم لا يقال هنا نفس الكلام الخطابي هذا؟؛ "يعني لو لم تشعر بالتعاطف تجاه فلان لقتلته؟ يعني لو لم تكن ترى أن له حق الحياة لقتلته؟ إذن هتلر كان على صواب، كيف ستخطئه؟"

المثبت لكون الدين هو المميز لما يجب فعله عما يجب الامتناع عنه، رفع الدين عنده رفع للتمييز بين المقبول واللا مقبول من الأفعال، فلا يُعد عنده حينها "يعني لو لم يكن الدين لرأيت س مقبولة؟" اعتراضا أصلا. نعم يا أحمق، وما الذي سيجعله يراها غير مقبولة بعد رفع ما عده هو مميزا للمقبول من اللامقبول؟ وكيف يصح هذا كاعتراض إلا بالمصادرة أصلا؟

فالاعتراض حقيقة يقول: "إن لم يكن هناك مميز بين المقبول واللامقبول، فقد تقبل اللامقبول" وههنا المصادرة، فكيف حكمت بأن ما فعلته غير مقبول عند رفع المائز إلا إن كنت تعتقد بصحة مائز آخر غير ما ادعاه خصمك، فتقع بذلك في المصادرة، حيث تستدل بما وقع فيه النزاع.